اختلاق مصطلح كرستان سورية ومناطق كردية في سورية! مهند الكاطع
- مهند الكاطع
- May 7, 2017
- 6 min read

قبل ثلاثة أعوام وأثناء وجودي في معرض الكتاب لفت نظري عنوان كتاب ( المسألة الكردية في سورية) مذيلة باسم المؤلف عبد الباسط سيدا الذي لم ينسَ أيضا ان يضع بين قوسين ( رئيس المجلس الوطني السوري الأسبق) صادر عن دار عمان في الاْردن في طبعته الثانية.
كان الفصل الثاني من الكتاب يحملُ عنوان ( كرستان سورية أم مناطق كردستانية في سورية) وهو ذاته العنوان الذي نشره د. عبد الباسط مؤخراً في عدة مواقع ويصل من خلاله لنتيجة أن الأصح هو إطلاق تسمية كردستان سورية.
التقيت د.عبد الباسط سيدا اثناء مشاركتنا في مؤتمر العرب والكرد الذي أنهى أعماله في الاول ما أيار الحالي في الدوحة، وكان طرح الدكتور سيدا غير بعيد عن مضمون كتابه، ويقدم ذات الحجج على ما يقدمه، وقدمتُ بدوري المداخلات التي تفند ادعاءاته وبينت عدم استنادها لأي مصادر وتنافي الحقائق التاريخية والجغرافية والديموغرافية أيضا لاكراد سورية.
وقبل استعراض اي مناقشة، أودّ الإشارة إلى أنّ أكراد سورية وبالأحرى احزابهم السياسية، بدأت بتقليد المصطلحات الكردية في العراق، وبشكل خاص بعد الاحتلال الامريكي للعراق سنة ٢٠٠٣م، ومن اهم تلك المصطلحات ( كردستان سورية، الارض التاريخية ، ثاني أكبر قومية في البلاد، الاعتراف بالحقوق القومية ضمن الدستور، ..الخ). وكل ذلك لأنهم يجدون بان الظروف التي تمر بها سورية فرصة تاريخية لن تتكرر لفرض واقع كردي شبيه بوضع أكراد العراق، رغم ان ظروف أكراد سورية الجغرافية الديمغرافية التاريخية مختلفة ١٨٠ درجة عن أكراد العراق. وبالتأكيد ان الاكراد في سورية جزء من مجتمعنا وجزء اصيل وحديثنا لا نقصد به نفي وجودهم بغرض ما هو رد على مزاعم بعض القوميين الاكراد الخالية من اي دقة علمية.
سأدرج هُنَا عدة نقاط استعرض من خلالها فحوى ما طرحته خلال ورقتي البحثية عن الحركة الكردية في سورية وايضاً مداخلاتي على ما قدمه عبد الباسط سيدا وباقي الاكراد السوريين اثناء المؤتمر، وفِي هذه النقاط ستجدون الاجابات الواضحة عن مجمل المسائل التي يطرحها الاكراد وكذلك ما جاء في كتابات سيدا .
١- تشير وثائق الانتداب الفرنسي التي اعتمدناها كأحد أهم المصادر الى جانب وثائق اقدم الحركات القومية الكردية بأن ثورة الشيخ سعيد سنة ١٩٢٥م دفعت بإعداد كبيرة من الاكراد وعشائرهم الاتجاه نحو سورية، فمثلاً كان عدد الاكراد ٦٠٠٠ نسمة وفق الوثائق الفرنسية لعام ١٩٢٧ فارتفع العدد الى أكثر من ٥٧٠٠٠ نسمة في عام ١٩٣٩م نتيجة الهجرات الكردية.
٢- اول حركة كردية نشأت في سورية كانت سنة ١٩٢٧ وجميع أعضاء مؤتمرها التأسيسي من أكراد تركية، يسميها الباحث الفرنسي جوردي غورغس ( الحركة الكردية التركية في المنفى) لأكراد تركية في المنفى تحت سلطة الفرنسيين سنة ١٩٢٧م. ٣٣- بعد تقسيم الدولة العثمانية كانت كردستان في مخيال العقل الجمعي الكردي تقع في تركيا وجزء منها في أقصى شمال العراق بما يتوافق مع ما حددته اتفاقية سيفر في البنود ٦٢، ٦٣،٦٤. ٤٤- كانت نشرات اول حركة كردية في المنفى ( سورية) تشير الى نضالها لتحرير كردستان من نير الأتراك وكذلك مقررات المؤتمر التأسيسي ولَم يكن أبدا هناك اي طموح كردي في سورية في ادبيات الرعيل الكردي الاول وحركتهم الاولى ومجلاتهم التي كانت تطبع في دمشق!
٥- مزاعم ان هناك جزء من كردستان اصبح في سورية وفق اتفاقية سيفر هو كذبة اختلقها الساسة الاكراد حديثاً وهذا تفنده بنود اتفاقية سيفر وخارطتها نفسها، اذ ان حتى محافظات جنوب تركيا مثل ماردين عينتاب اورفا مدن كيليكيا والاسكندرون، كلها ضمن سورية في اتفاقية سيفر وبدأ سلخها عن سورية منذ عام ١٩٢٣ في اتفاقية لوزان والاتفاقيات اللاحقة، وكردستان كانت شمال حدود سورية التي كانت تضم كل تلك المدن.
٦- مزاعم ان سايكس بيكو أيضا جعلت جزء من كردستان ضمن سورية اسميها أيضا اكذوبة بحجم ( وطن) ! إِذْ ان الاتفاقيات متاحة ولا تقول بهذا الادعاء وطالبنا الأحزاب والشخصيات الكردية ومنهم دعبد الباسط سيدا باثبات ذلك الادعاء ففشلوا ولا زال التحدي قائم!
٧- يبرر عبد الباسط سيدا عدم وجود اي حديث في وثائق الأحزاب الكردية في السابق عن ارض تاريخية للأكراد في سورية هو الخوف مِن السلطة الأمنية ! وهذا مبرر غير مقنع أبداً، اذ ان المصادر الأجنبية والكردية أيضا القديمة والحديثة في كافة أنحاء العالم كانت تشير للأكراد السوريين بوصفهم خارج كردستان مثل أكراد الاتحاد السوفيتي، فهذه نشرات اول حركة كردية تشير لذلك، مذكرات أوسمان صبري ، دراسات الدكتور الكردي شاكر خاصباك، مصادر العلماء السوفييت المهتمين بالموضوع مثل لازريف ومينورسكي ، الفرنسيين والانكليز والالمان ممن كتبوا في هذا الحقل مثل ماكدول، مارتن، جوردي، جويده وغيرهم.
٨- يقدم سيدا من خلال بحثه ادعاء خطير وهي ان الجزيرة تاريخيا لم تكن ضمن سورية وذلك اعتمادا على تعريف حتي وجزء من تعريف قدمه ممثل روسيا في النصف القاني من القرن التاسع عشر تحدث عن ثلاثة باشالكات في سوريا هي باشالك حلب وطرابلس ودمشق! فيعتمد هذا كأدلة على ان الجزيرة تتبع للموصل إذن وليست في سورية وهو تفسير على غرابته طبعا فهو لا علاقة له حتى الان بكردستان ، وعلى اي حال اذا اخذنا مثلا المصادر الفارسية فإننا سنجد انها كما ينقل لنا محمد كرد علي تطلق على كل الجزيرة وسورية والعراق سورستان ( ارض السوريين) فهل يعني هذا ان العراق سورياً؟! بنفس الوقت الإدريسي يقول ان مل ما شرق الفرات عراقاً فهل يعني ذلك غياب اقليم الجزيرة تاريخياً او ان له علاقة بالاكراد ؟! ثم اننا لو اطلعنا على الإيالات الشامية التابعة لولاية الشام التي كانت تسمى عند بداية العهد العثماني عرب ولايتي ( ولاية العرب) لوجدنا ضمنها إيالة الرقة ولوجدنا انها ضمت جميع مناطق الجزيرة السورية ،فقد ضمت إيالة الرقة سنة ١٥٨٦م: لواء الخابور لواء رأس العين لواء الرها ( اورفا) لواء الرقة لواء الجماسة لواء بني ربيعة لواء عانه لواء تكريت لواء بيرهجك لواء باليس لواء عزيز اعرابي
وكانت تحت إدارة أبناء ابي ريشة قبل ان يعهد للواء الخابور الى الامير عساف شيخ بني طيء ، وبالتالي حتى نهاية الدولة العثمانية كانت مناطق الجزيرة ضمن الشام ! وإذا كانت بعض الالوية تابعة في ف عثمانية الى الموصل او حلب او ديار بكر فلا علاقة لهذا باي حال بموضوع محاولة إثبات كردستانية المنطقة !
٩- ادعاء سيدا الوجود الكردي في عفرين وعين العرب منذ العهد الميتاني والحوري غير صحيح ولا تعززه المصادر التاريخية ولا علاقة للأكراد ووجودهم في هذه المناطق المرتبط برحيل قبائل كردية من أنماط الرحل كالبَرَازية ورشوان الذي اسكنهم العثمانيون في القرن الثامن عشر في المنطقة بحقب ما قبل التاريخ كالحقبة المبيانية والحورية ومحاولة المقاربة بينها وبين الوجود الكردي او تخيل علاقة عرقية بينهم !
١٠- استخدام سيدا لمقترحات الهلال وحديثه عن وجود الاكراد على الخدود في الجزيرة للدلالة على قدم الاكراد لم يكن موفقاً، خاصة ان المصادر التي سبقت الهلال بأربعين عام تحدثت عن هجرة العشائر الكردية الى سورية وقد حذّر منها محمد كرد علي وزير المعارف واقترح نقل الاكراد المهاجرين من الحدود لمناطق في الداخل السوري !
١١- استشهد سيدا بحديث هلال عن العشائر العربية بشكل مجتزأ ومبتكر لم يذكر من خلاله كل ماقاله الهلال بالعشائر العربية وايضاً الكردية ! فاخذ سيدا ما يريد من خلاله الإيحاء بان العرب حديثين في المنطقة متناسياً المصادر التاريخية التي تحدثت عن العرب في الجزيرة قبل الاسلام ! ١٢٢- هجرة الاكراد الى سورية وسياسة الفرنسيين الاثنية في استقبال الاكراد وغيرهم من الأقليات لم تكن من ابتكار سهيل زكار كما يُزعم سيدا، بل الوثائق الفرنسية والتي ترجم بعضها الباحث الكردي خالد عيسى تحدثت بإسهاب عن العشائر والعناصر والعوائل الكردية المهاجرة ويذكرهم جوردي غورغس بإسهاب ويتحدث بالارقام عن الهجرات الكردية لسورية وللجزيرة حصرا ١٣- أسس دستور برايمر بعد غزو العراق سنة ٢٠٠٣٣م لمحاصصات إثنية طائفية في العراق وبات الحديث مهما عن النسب المئوية والاستحقاق الاثني بموجبها، فخرجت أولى خطابات أكراد سورية آنذاك عن النسبة المئوية والمبالغة بتعدادهم!
١٤- يفترض عبد الباسط سيدا بأنّ أكراد سورية يشكلون تخمينا نحو ٤ مليون، وادعى ان في الحسكة وعين العرب وعفرين من ٢-٢.٥ مليون والباقي في باقي المحافظات منهم ١.٣ مليون في دمشق، فقلنا له بأن أرقامه فلكية، اذ انه لو افترضنا جدلاً بأن الاكراد ليسو أقلية في محافظة الحسكة بل اكثر من ذلك سنفترض بان محافظة الحسكة لا يوجد فيها عرب او سريان او تركمان او أشور وأرمن وشركس ويزيديين، وكذلك سنفترض بان النواحي التابعة لعين العرب مثل صرين والشيوخ بان سكانها ليسوا من العرب بل أكراد كلهم أيضا، وسنفترض بان جميع سكان عفرين أكراد ولا وجود لعشرات العشائر العربية، فأنّ سجلات الأحوال المدنية المعتمدة تشير الى ان سكان كل تلك المناطق من مختلف المكونات اقل من ١.٩ مليون ، إذن كيف وصل عبد الباسط سيدا لهذه الأرقام ؟ ثم اذا كان سكان محافظة دمشق جميعهم ١.٢ مليون نسمة وفق احصاء ٢٠٠٤ فكيف يكون اكرادها ١.٣ مليون نسمة كما أشار سيدا في مؤتمر الدوحة ؟!!! علما ان أفضل المصادر جعلت أعدادهم ٤٪ من سكان دمشق وهولاء أستعربوا وذابوا في هوية المجتمع السوري ولا يعتبرون أنفسهم معنيين بمطالب الأحزاب الكردية في سورية التي مركزها محافظة الحسكة!
١٥- تطرح الأحزاب الكردية والساسة الاكراد كعبد الباسط سيدا مسألة مقترحات محمد طلب الهلال ( بتهجير الاكراد نحو الجنوب ووضع القبائل العربية مكانهم وتجهيل الاكراد ..الخ) لم يحدث منه شيء ولَم يناقشه أيضا مؤتمر البعث آنذاك ! لكن بقي هناك استثمار لموضوع قيام النظام سنة ١٩٧٤ بإسكان ٢٥ الف نسمة من أصل ١٢٠ الف متضرر بسد الفرات في الحسكة وفِي أراضي (املاك الدولة)، للقول بان هذا هو الحزام العربي في مشروع الهلال "وهذا غير صحيح لمن قرا مقترحات الهلال" وايضاً للقول بان جميع ما اقترحه الهلال طبق على الاكراد وخلق مظلومية الاكراد يحاولون من خلالها تبرير وتسويق جميع ادعاءاتهم بحق تاريخي ووطن قومي وأغلبية كردية في جزء من سورية ! او اجزاء !
١٦- جميع الأحزاب الكردية التي نشأت في سورية تم دعمها منذ التاسيس من أنظمة عربية في سورية وحتى في مصر وليبيا، وكان الهدف توجيهها للعراق او تركيا، وقد استعرضت نماذج من تطور خطاب الأحزاب الكردية قبل وبعد الثورة واثبتت من خلالها حداثة السردية الكردية في سورية.
١٧- تصاعدت وتيرة الخطاب الكردي بعد اندلاع الثورة السورية وتحديدا بعد دخول الأحزاب الكردية على الخط بعد ٦ أشهر من اندلاع الثورة فتغيرت شعارات الثورة في مناطق خروج الأحزاب الكردية الى شعارات قومية لا علاقة لها بشعارات الثورة وبدأ التجييش القومي! ١٨٨- وصل سقف المطالَب الى حد مناقشة المجلس الوطني الكردي دستور ما أسموه " دستور كردستان سورية" تزامناً مع إطلاق الادارة الذاتية لمشروع دستور روجافا!
اخيراً : لن تفضي المزاعم القومية لحلول ما دامت لا تأخذ الواقع بعين الاعتبار ولا تزال تسبح في فضاء تجارب الآخرين دون النظر للفروقات الجوهرية للجغرافية والتاريخ والديموغرافية
Comments